معادلة الحالة
مارتا أتينسا, جيك اتينزا
يأتي العمل الفني "معادلة الحالة 3" للفنانة مارتا أتينسا ضمن سلسلة بحثية حول التغيرات المناخية، وتدعونا فيه الفنانة للتساؤل حول سياسات الإدارة البيئية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية. يمكن النظر لهذا العمل التركيبي كمدخل للتعرف على مشروع الأرشفة الاجتماعية في جزيرة بانتايان وسط الفلبين، والتي أتى من رحمها هذا العمل الفني. في هذا العمل، يتم تحريك 20 شجرة قرم داخل وخارج خزان مياه عبر جهاز يعمل بتقنية الأردوينو. هذه الأشجار محاطة بمقاطع فيديو بالتصوير البطيء لجزيرة صغيرة وصيادَين شابَين هما لاندو ورودجي، يتحركان داخل وخارج المياه. خلال عرض هذا العمل في بينالي الدرعية للفن المعاصر 2024، تمت إضافة مواد أرشيفية تسلط الضوء على قضايا تاريخية وسياسية وبيئية متداخلة بهدف عرض الصورة الكاملة. كما تم استعراض أنشطة قمنا بها مع مجموعة من المتطوعين الذين تعاونوا معنا. يقدم هذا العمل الفرصة للتعمق في فهم دور الرقابة والتشريعات التي تساهم في الحفاظ على البيئة والإنسان في جزيرة بانتايان.
عندما ضرب إعصار هايان – الأسوأ في تاريخ الفلبين – جزيرة بانتايان عام 2013، تعرضت البلدات الثلاث مدريديخوس، وسانتا في، وبانتايان لدمار هائل. عقب الكارثة، تم تصنيف المناطق الساحلية كمناطق خطر من أجل حماية سكان المناطق الساحلية – ومعظمهم من الصيادين – من الكوارث المناخية في المستقبل. لكن المؤسسات غير الربحية كانت متواطئة في تمهيد الطريق لخصخصة الأراضي وتدمير البيئة، وذلك بادعائها أن "المنظمات الدولية تتردد في تمويل إعادة بناء منازل على أراضٍ ليست لها سندات ملكية". قاد هذه العملية سياسيون لديهم مصلحة في الاستيلاء على أراضي المنطقة. ومنذ ذلك الحين، واجهت أكثر من 9,000 أسرة من صيادي الأسماك، أي حوالي 8% من سكان بانتايان، التهجير إلى مشاريع إسكانية حكومية دائمة تقع على بعد ثلاثة كيلومترات من الساحل، في مناطق أقل قيمة من حيث التنمية التجارية.
يمثل تهجير المجتمعات الساحلية مثالاً واضحاً على عمليات الاستيلاء على الأراضي عبر فرض قوانين جديدة تهدف لنزع ملكية الأراضي بشكل تدريجي، وهو أسلوب ظهر خلال الحكم الاستعماري للبلاد وبقي حتى وقتنا الحاضر. في البداية، ظهر هذا الشكل من الاستيلاء على الأراضي من خلال النصوص القانونية في مسح أرضي لمدينة سيبو تحت الاحتلال الأمريكي عام 1944، وتم فيه إعلان جزيرة بانتايان كمنطقة مخصصة للحياة البرية عبر الإعلان الرئاسي رقم 2151 (1981)، ومشروع قانون مجلس النواب رقم 1941 (2013)، ومشروع قانون مجلس النواب رقم 2127 (2016)، ومشروع قانون مجلس النواب رقم 4951 (2019) لإزالة تصنيف منطقة الحياة البرية عن جزيرة بانتايان، واستراتيجية تخطيط الإدارة العامة (2015)، ومشروع قانون مجلس النواب رقم 467 (2019) الذي أُنشِأت بموجبه منطقة اقتصادية خاصة في المنطقة الرابعة من مدينة سيبو. وفي وجه محاولات القطاعين العام والخاص للاستيلاء على المنطقة وخصخصتها بشكل يلحق الضرر بالمجتمعات الساحلية، أسسنا مبادرتنا التي حملت اسم "يوم الصيادين" بهدف إعطاء صوت لصيادي الأسماك (2022). تشير هذه النصوص والوثائق القانونية والحكومية المختارة إلى تاريخ الصراع على الموقع ومحاولات السيطرة عليه.
يمكننا إدراك الوضع الحالي لجزيرة بانتايان عبر استيعاب السياق التاريخي للاحتلال الاستعماري في الفلبين من جهة، والنظام النيوليبرالي الحاكم حالياً من جهة أخرى. فالأول يمثل السياق التاريخي الذي يحول الأراضي إلى مواقع استراتيجية لممارسة الهيمنة الاستراتيجية والعسكرية، وهو ما تمثل في دراسة الجيش الأمريكي المحتل للشواطئ المؤهلة للاستغلال كمواقع للإنزال البري. أما الآخر فيتمثل في الجهود الحالية التي تبذلها الشركات والقطاع العام لتحويل الأراضي إلى عقارات تجارية. ففي وقتنا الحاضر، نرى الحكومة تواصل التركيز على السياحة وتحويل الصيادين والمزارعين إلى عمال، وتحويل المناطق الساحلية القائمة على صيد الأسماك إلى عقارات تجارية. لا يقتصر هذا الإحلال على الاستيلاء المادي على الأراضي، بل يعمل أيضاً على محو الثقافة وطمس الموروثات وقطع الروابط بين الأجيال.
ولأن هذه الجزيرة كانت نقطة وصول الغزاة الإسبان عام 1521، فإن صياغة النصوص القانونية واستغلالها كأدوات للهيمنة تمثل استمراراً لتاريخ طويل من عمليات الاستيلاء على الأراضي وتحويلها لسلع يمكن تسويقها واستملاكها. ورغم نجاة البلاد من أكثر من ثلاثة قرون من الاستعمارين الإسباني والأمريكي، إضافة إلى الحكم الديكتاتوري المحلي، فإنها – بما في ذلك مناطق مثل بانتايان – باتت حالياً ضحية لسياسات النخبة السياسية الحاكمة المشغولة بمراكمة الثروات.
في أوسع تطبيق لهذه الممارسات، يشير الوضع الذي شهدته جزيرة بانتايان في أعقاب إعصار يولاندا – المعروف عالمياً باسم هايان – إلى تصاعد ظاهرة "رأسمالية الكوارث" التي تنظر للكوارث الطبيعية باعتبارها "فرصاً لشن غارات انتهازية للاستيلاء على الأراضي العامة عقب وقوع الكوارث الطبيعية، إضافة إلى التعامل مع هذه الأحداث المأساوية كفرص سانحة للتربح" (نعومي كلاين 2007: 6). في هذا النظام الاقتصادي، تنتزع ملكية الأراضي من الصيادين وغيرهم من الفئات المهمشة، ثم ينقلون لمساحات أصغر. في هذه الظروف، تشير الدرجات المتفاوتة من تدابير الحماية البيئية وجهود التربح إلى "سياسات الإدارة البيئية واليد الخفية للتشريعات التي تتحكم بالأراضي والمياه".
في العمل التركيبي "معادلة الحالة"، نرى أشجار القرم في قلب الصراع من أجل السيطرة على أراضي جزيرة بانتايان، فعلياً ومجازياً. تأتي النسخة الأخيرة من هذا العمل الفني بعد عمل دام عدة سنوات، حيث عملت مارتا أتينسا مع المتعاونين معها في جزيرة بانتايان، وفي العاصمة مانيلا، ومؤخراً في محافظة الدرعية. تضمنت النسخة الأولى عام 2019 أشجاراً من فصيلة القرم المرقط تم إحضارها من جزيرة بانتايان، إلى جانب مواد محلية أخرى تم تثبيتها في آلية مبرمجة بتقنية الأردوينو. في هذه الآلية، تتحرك أشجار القرم بشكل ميكانيكي يحاكي حركة المد والجزر التي تنغمر فيها أشجار القرم تحت الماء طوال 30% من حياتها.
تعد أشجار القرم الحاجز الطبيعي الأنسب ضد الكوارث الطبيعية، وقناة فعالة لامتصاص الكربون على المدى البعيد. وتعتبر شجرة القرم المرقطة أكثر أنواع القرم شيوعاً هنا في الفلبين، خاصة بعد إعصار هايان الكبير، وذلك بسبب سهولة زراعتها وقطعها. يجب أن تكون الأشجار مغمورة بالمياه بنسبة لا تزيد عن 30% من فترة حياتها. هناك أكثر من 26 فصيلة من أشجار القرم في الفلبين، وعلى الرغم من أن القرم المرقط هو الأكثر شيوعاً، إلا أنه قد لا يكون الأنسب دائماً للزراعة في المناطق المختارة. ومن الأخطاء التي كثرت بعد إعصار يولاندا هو زراعة أشجار القرم في مناطق نمو النجيل البحري.
وجدت الهيئة المسؤولة عن "استراتيجية التخطيط والإدارة العامة للمناطق البرية في جزيرة بانتايان" أن إجمالي مناطق أشجار القرم في جزيرة بانتايان يصل إلى 567.13 هكتاراً، 69.29% منها في "حالة جيدة". وتحدث تقرير الهيئة عن "قطع واستغلال أشجار القرم بشكل لا يتوافق مع مبادئ الاستدامة" من قبل السكان الذين يعيشون بالقرب من هذه الأشجار، واعتبر أن هذه الممارسة "تهديداً كبيراً" لديمومة هذه الأشجار. مما لا شك فيه أن بعض السلوكيات الفردية لها أثر سلبي على الاستدامة البيئية، إلا أن هذه النظرة تميل لمعاقبة الفئات المهمشة اجتماعياً واقتصادياً. يستخدم هؤلاء السكان لحاء أشجار القرم في "استخلاص مادة العفص اللازمة لصناعة نبيذ جوز الهند" (2015:26;53). لهذا فإن هذه السياسات تفشل في معالجة القضايا الأساسية التي تقف وراءها الأجندات النيوليبرالية الهادفة لاستغلال الموارد الطبيعية بهدف الكسب فوق كل اعتبار آخر.
عبر مبادرات الأرشفة التعاونية، سعينا لتحدي هيمنة هذه الأطراف. فبفضل الأرشفة، يمكننا الحفاظ على تراثنا المعرفي في جزيرة بانتايان وتوثيقه وتمجيده، إضافة إلى حماية الأرض التي نشأنا فيها ويعيش فيها أهلنا. نجد هنا تحولاً تاريخياً من المعرفة المنتجة عنا إلى المعرفة التي ننتجها نحن.
بالتعاون مع سكان جزيرة بانتايان، قدَّمنا عريضة تطالب بمنع إزالة تصنيف منطقة الحياة البرية عن الجزيرة. قمنا بزيارة المدارس العامة للالتقاء بالمعلمين والإداريين لشرح المخاطر المتوقعة وجمع التوقيعات، ثم أرسلناها إلى أعضاء مجلس الشيوخ والمحافظين في محاولة للحصول على الدعم السياسي للدفاع عن حقوق بانتايان المهمشين، خاصة فئتي الصيادين والمزارعين، ضد الشركات.
تعكس أشجار القرم طبيعة العلاقة بين البشر والبيئة، وما تمر به من لحظات نمو أو تراجع. أثناء عملها الخاص بجزيرة بانتايان، قد تكون الزيارة الأخيرة التي قامت بها الفنانة إلى غابات القرم في البحر الأحمر، وعرض أعمالها في بينالي الدرعية، فرصة لإعادة التفكير في البيئة السياسية التي تحكم أشجار القرم وعمليات صيد الأسماك.
خلال بينالي الدرعية للفن المعاصر 2024، قدمت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية دعوة للفنانة مارتا أتينسا لزيارة صيادي الأسماك، والتعرف عن قرب على غابات أشجار القرم المنتشرة على امتداد سواحل البحر الأحمر. وقامت الفنانة بتضمين أشجار القرم المحلية (ذات الجذور الهوائية) / القرم البحري (أشجار القرم الرمادية/البيضاء) في هذه النسخة الأخيرة من عملها الفني التركيبي. يقوم مركز أبحاث البحر الأحمر التابع لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بدراسة غابات القرم، وهي منطقة تديرها إدارة الصحة والسلامة والبيئة. استعارت الفنانة عنوان عملها الفني "معادلة الحالة" من المعادلة الرياضية التي تحسب العلاقة بين عدد من المتغيرات ومجموعة من الظروف الفيزيائية. عبر عملها الفني، تحاول أتينسا إعطاءنا فكرة عن الآثار الناجمة عن ارتفاع حرارة المحيطات ومستوى سطح البحر، وتدخلات القطاعين العام والخاص في النظم البيئية، مع رسم صورة عن الحياة اليومية في جزيرة بانتايان وكيف تتشابك مع القوى الاقتصادية والسياسية الأكبر التي تحكم عالمنا اليوم.